الصنميّة التي تحاول أن لا تموت

 

جميل أن نكرم القادة، أو نؤمن بالقادة، وأن نسير وراء القادة في مواكب الحياة الظافرة؛ ولكن الأجمل والأفضل من ذلك أن تكون طاعتنا اختيارًا، وانقيادنا تعاونًا، ومسيرنا انسجامًا خالقًا كاملاً في حياة القائد وفي حياة الحركة، فنشعر في آن واحد أننا منه وأنه منّا، ودون أن يخالجنا دنس من الفروقة أو الأنانية. وإنَّ الحزب جماعة أحرار ينقادون إلى أحرار، فعلينا ألاّ نجعل من الحرية ذاتها قيدًا جديدًا في عنقنا وألاّ نجعل من الطاعة حجر رحى يهوي بنا من جديد إلى أعماق الجهل والعبودية والتخاذل؛ والتخاذل أكثر شرًّا من الجهل والعبودية. فأوّل صفات القيادة التواضع، وأوّل صفات الطاعة التواضع. يقول أحدهم إنَّ في الطاعة ميتة موقّتة يتجرّد فيها المرء عن مشيئته وعن تفكيره وعن شعوره. والقيادة أيضًا موت متواصل لمشيئة تتعدّى مشيئة القائد والجماهير على حدٍّ سواء.

في القيادة تحرّر وانطلاق، وفي الطاعة تحرّر وانطلاق.

ومن هو الذي لا يطيع، فهذا يطيع النعمة، وذاك يطيع المشيئة، وذاك يطيع الرحمة، وذاك أداة مسخّرة في يد الحرّية والحقّ.

يقول أبو زيد عن الله (جلّ جلاله): "إنَّ بطشي به أعظم من بطشه بي، وإنَّ طاعته لي أعظم من طاعتي له"، وأيُّ طاعة تبلغ "طاعة" الرحمن لعبده عندما يحرّك فيض الحنان؟!

لا تتفهّم معنى الطاعة ومعنى القيادة إلاّ فئة تفتّحت نفوسها إلى قيم الوجود، إلى قيم الحق والخير والجمال، فكان الحقّ فيها النور والخير والمشيئة. والجمال سعادة الدارين.

فلنتجرّد من الصنميّة المعشّشة في نفوسنا، صنميّة الزلم، "الزعامات" على حدٍّ سواء، صنميّة المعتقدات، وصنميّة المال، وصنميّة الواجب، وصنميّة الضمير والمصلحة العامة والعلم إذا كان الضمير والواجب والمصلحة العامة والعلم ستتحوّل إلى صنميّة. فلنتحرّر من كلّ صنميّة، ولو كانت صنميّة الخير والحقّ والجمال، ولنكن طليقين أحرارًا نفهم كيف نطيع، ونفهم كيف نقود.

 

كمال جنبلاط

الأنباء، 17/5/1951

 

Home

Up one Level