إلى أين في دروب الانحطاط؟

بقلم كمال جنبلاط

 

ماذا دهى العالم العربي، ماذا دهى العرب؟... ان ما نشهده ونسمعه ونقرأه في كل يوم نكاد لا نتصوره أو نحلم به انه يحصل أو من الممكن ان يحصل...

وممالك الطوائف هذه، كما كان شأن الاندلس قبل وقوعها في يد الإفرنج بعد حكم دام عدة قرون، هذا التناقض المستمر، هذا التنافر، هذا التآمر ــ كل على صاحبه ــ هذا التفكك في المساندة، هذه اللامبالاة في مواجهة العدوان الإسرائيلي، هذا الإغراق في اضطهاد المقاومة الفلسطينية والتخطيط للقضاء عليها، هذه الانقلابات العسكرية، واجراءات القتل وتنكيل والسجن بدون محاكمة إلخ... إلى أين نحن ذاهبون؟.

كل ذلك يبدو كقصص المجانين التي لا تصدق...

لقد أصبحنا نخجل ان نرفع رأسنا وأعيننا لننظر إلى أوروبي أو إلى أميركي أو لنواجه إخواننا في بعض بلدان آسيا وإفريقيا... إلى أي درك من المذلة يمكننا أن ننحدر أكثر مما انحدرنا إليه؟ هل لهذه الهوة من الانحطاط المادي والمعنوي من آخر؟ لان ما من شك أن هذا التقاعس عن الواجب، هذا التنافر، هذه اللامبالاة، هذا التجريح، هذا التنكر لحريات وحقوق الإنسان الأساسية، هذا السير بغير هدى، هذا التفكك والانحلال هو وهي من علامات الانحطاط... وليعذرني كل من قرأ هذه السطور، لانني لا استطيع أن أجد كلمة غير هذه الكلمة للتعبير عن هذا المستوى من الفوضى، واصطدام الانانيات والرغبة في المحافظة على المصالح الشخصية والابتعاد عن نصرة أي هدف أساسي جوهري.

في مقابل ذلك، إسرائيل تواجه مصيرها ومصير العرب باتفاق شامل وبوحدة مدهشة وبتخطيط موضوعي وعلمي لعشرات السنين وبتصميم عام للإدارة اليهودية في إسرائيل وفي العالم كله، وبنشاط لا يتوقف، قصده حشد ما تبقى من يهود العالم في إسرائيل وفي الأراضي المحتلة، وتبديل معالم هذه الأراضي المحتلة وإسكان المهاجرين الجدد فيها.

وسنواجه (الحرب الوقائية الثالثة) المزعومة لإسرائيل، ونحن في هذه الحال من التفكك والتناقض والنفور والتقاعس، والانحلال المعنوي ــ كل يغني على ليلاه وأموال النفط يتنعم بها فريق قليل من المواطنين ثم تذهب إلى بحر نعمة أوروبا والولايات المتحدة، ولم يتغير لا في المملكة السعودية ولا في لبنان ولا في أي بلد عربي وضع المصالح ونمت وأضحت قوية شاملة.

وقد يربح الإسرائيليون الجولة الثالثة، ويأتون بثلاثة ملايين آخرين من اليهود ليسكنوهم في الأراضي الجديدة الأخرى المحتلة، ونحن لا نزال لاهين، منصرفين إلى الخلافات والنزعات والتضاد والتقاعس، والتوسل على أبواب أوروبا والولايات المتحدة لاستعطافهم لأجل الحل السلمي ــ دائما وأبدا.

ان الشعوب التي تتوجه بذهنية الأنانية، ولا تحترم حقوق العقل بالنضال وبالحرية ولا ترتفع ــ واقعا وفعلا لا تمنطقا وحكيا ــ إلى مستوى رسالتها التاريخية، هي شعوب مقضي عليها بأن تتيه في صحارى خيالاتها بدون بصيص طريق معبد أو دليل مرشد.

ونتحدث، بعد ذلك، عن الجماهير، والجماهير العربية، والثورة والثوار، والكفاح والنضال، والموت والحياة، والقومية والعزة والمجد... تنظاهر، نخطب، نضرب... والتاريخ يسير والكلام الفارغ والعمل الفارغ لا يفيد، لا يفيد وإسرائيل تعمل وتبني وتتقدم.

متى ستحدث المعجزة... فيظهر بيننا عبقري يرتفع بعقله إلى مستوى الغرب وصراعه الصامت لأجل الحياة، فيحدث الثورة الثقافية المنتظرة في صفوف هذه الأمة المندرجة بالوفاة في قبور انحطاط انشغالها بالكلام والعمل الفارغ والأنانية المدمرة، فيرفع النخبة والجماهير إلى المستوى الذي يليق بالتحدي وبالمواجهة الكبرى؟!

 

في24/7/1971

 

 

 

Home

Up one Level