إن الشباب وعي ناضج لمشاكل العصر ولقضايا شعبه

 

   اذا اردنا تحديد الموضوع بشكل علمي، ولا نكتفي بالتحدث عن الأشياء العامة ، أو ان يبقى في الايهام ، يتوجب علينا ان نجيب على الاسئلة التالية: 

   اولا : من هو الشباب من وجهة التحديد الجسدي و النفسي ؟                                                                           

   ان الشباب هو الذي تجاوز الحد السبعي الثاني من سنه . . فحتى السابعة ، يسمى الانسان طفلا ومن السابعة حتى الرابعة عشر صبيا ، وفيما بعد مراهقا وفتى وثم شابا . . وفيما بعد يصبح الانسان رجلا فكهلا الخ . . واذا اتخذنا المثل معيارا . . " من شاب الى دب " أي من الشباب الى ان دب على العصا ، " المنجد" ، يكون الشباب واسعا جدا لا يخرج عن شموله احد تقريبا.

   وفي الحقيقة يجب ان نعتمد في تفسيرنا الفئات التي تعدت قليلا دور المراهقة ، والتحول من الصبا الى الرجولة ، والذي يصيب جميع الفتيان ، بعد ان يكون قد توصل الى حد ما الى شيء من النضج و التوازن .ولا نظن ان ذلك يتم قبل سن الثامنة عشرة من العمر على الاقل..

    ويجب ان تعتمد ، بشكل عام ، الاجيال الجديدة التي تنـزع بطبيعة اطلالتها الجديدة على الحياة الى التجديد ، الى رؤية الاشياء كما لم يرها قبلهم الكبار من أوليائهم ، او الذين هم من جيل هؤلاء . وفي الواقع ان الشباب هو سن نفساني ، كما يوضع ذلك العالم النفسي (YOUNG) .عندما يقسم حياة الانسان الى مراحل تتميز كل منها بمواجهة خاصة ، وبنـزعات مختلفة . . فالشباب هو مرحلة نفسية من المراحل الثلاث او الاربع التي يجتازها الكائن البشري ، وتتسم بطابع الطموح و الامل والتخيل الطوبوى . واعتمال المثالات المعنوية. وتطلب الافضل ، و التوحيد بين دورنا في تحقيق هذا الخير بواسطتنا ، والجموح الى تطلب القدرة و القوة و النشوة ، بعد ان يكون اختبارنا للعيش لا يزال في دبيبه الاول . . فاذا التطلب اكثر من الطاقة الواقعية . و الشعور الجامح اكثر من حقيقة  العمل ، والرغبة اقوى من الارادة . والتخيل اوسع من الواقع . . ولا شك ان شعار هذا الجيل هو تصوره انه يستطيع ان يبدل كل شيء ، ولا يؤخذ بعين الاعتبار ثقل التقليد و امتداد التراث وضغط المادة وتشخص الواقع الماثل في اشكاله وصوره .

    وهذه المرحلة من الحياة تتميز عموما بالنقص في التمييز بين ما يصلح تبنيه و العمل لاجله وبين ما لا يصلح ، لان القدرة على التمييز . وهي وظيفة العقل الرئيسية ، تنمو وتتفتح و تتقوى بالممارسة ولا تكون هذه الممارسة عند الشاب الا في بدايتها ..

    ثم هل ان كل شباب هو شباب في المعنى الصحيح للكلمة ؟ وكم من شاب عجنه الاختبار المبكر و التربية السليمة ، وبارزته آلام الحياة وعقباتها فاصبح رجلا يافعا او كهلا ناضجا ؟ وكم من شاب جرفه التقليد واستوعبه التراث وطغت عليه ضغوط المادة ، فلم يعد شابا ، بل مقلدا اكثر تحجرا وتمسكا بالواقع المائل من اربابه واوليائه ..

    وكم من شاب ليس له اية فكرة واضحة عن أي شيء ، فهو يعتقد بكل ما يتقبله في حينه ، ثم ينتقل الى سواه ، كالعجينة الطرية التي تنطبع فيها على التوالي جميع الاشكال.. وكم من شاب لم يرتفع الى مستوى الخلق والى مستوى الشخصية.. والقول ذاته يصح على كثير من المواطنين..

    ولذا ترتدي التربية العامة ، وفيما بعد الاعلام و القراءة، اهمية كبرى في تكوين الشباب.. فكما ان جسد الانسان يتكون من الغذاء المتحول فيه الى اغشية واوردة وسوائل ، وينطبع بصفات هذه الاغذية ، كذلك لا يوجد شيء في ذهن الانسان ، أي في شعوره وفكره ، الا ما يدخل اليه بواسطة حواسه ( السمع و الابصار وسواها ).. فالذهن يتكون من كل ما هو خارج عن الانسان..

    ثم ان الشباب وعي ناضج لمشاكل العصر ولقضايا شعبه بجميع فئاته الاجتماعية ، ووعي للاساليب التي يجب اتباعها. للوصول الى الهدف ، ووعي للموازنة الصحيحة التي يجب ان نسلكها في الحفاظ على افضل ما في الماضي ، وفي التقليد ، وما يمكن بقاؤه ، وبين افضل ما نستطيع ان نجنيه من التقدم ومن الحضارة الغربية المسيطرة.

    ولن اتحدث هنا الا لماما عن النزاعات الجديدة التي تهز فئات واسعة من الشباب في الدول المتقدمة جدا صناعيا كالولايات المتحدة و بلاد اوروبا الشمالية وبريطانيا و فرنسا مثلا.. فهي نزعات يثيرها التناقض بين طبيعة الانسان الملتزمة بثوابت ( CONSTANTS) معينة دائمة ، وبين طابع الاصطناع السطحية و المادية الذي اخذ يغلب اكثر فاكثر في المجتمعات المتقدمة ، و يتطلب في جدلية عكسية مزيدا من الحرية العفوية ، و العودة الى البساطة و الى الطبيعة ، ومزيدا من الروح ، ومن التكامل الانساني بين الرقي المادي الحاصل وبين الرقي المعنوي المطلوب للموازنة و المعادلة وعدم الطغيان على الاقل.. وهذه المشكلة تتعدى الأنظمة كلها ، وستجتاح جميع مناطق الأرض المتقدمة صناعيا ، والتي بشكل خاص لم تعرف ان تحافظ على تراثه الحضاري المعنوي على مثال الحضارات الشرقية و الاسيوية الالفية..

 

 

Home

Up one Level