دور المثقفين في الوطن

 

      قد يبدو هذا الموضوع عاديا أو مبتذلا ، أو قد يكون واسعا رحب المجال ، لا يحصره حديث صغير عابر . إننا سنقتصر على ما تفرضه المسؤولية الاجتماعية و السياسية من موجبات على رجل الفكر و على المثقفين ، بشـكل عام ، في الجيل الذي نعيشه ، وبالنسبة للمجتمع و الدولة ، في الحاضر و في المستقبل القريب . .

     في الواقع ، إننا نشهد ، في العصور الحديثة ، انقلابا في تكوين المجتمع ، وابراز قياداته ، لم يكن يرقبه أحد فيما قبل ، ولم يتصوره كبار رجال الفكر و النظريات العقائدية ، حتى اليساريين منهم  أمثال ماركس و انجلس أو سان سيمون وأوين.

       فللمثقفين دور أولي في تشكيل جميع أجهزة الدولة و المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية . في هذا العصر الإداري الذي تحولت إليه الدولة  و المجتمع ، وفق تعبير  Siegfried   سيغفريد الموافق ، حيث أن العلاقات و الروابط الاجتماعية أضحت ( داخل المجتمع الواحد ) ، من الكثرة ومن الإحكام و من القوة ، بحيث يشكل كل مجتمع بشري ( أو ينزع الى تشكيل ) وحدة عضوية ، أي كلاًعضويا غني الحيوية ،موحد النزعات ، كثيف الحياة . وتحت هذه الوطأة،استمر نطاق حرية الفرد يتضاءل أكثر فأكثر أمام العلاقات الجديدة ، و الشرائع و العادات التي تظهر كل يوم وتقيد تصرفات الإنسان في دائرة عمله . 

  " ولا بد من الإشارة إلى أنه كان لتطور العلم و الصناعة الحديثة ، وظهور إمكانياتها غير المحدودة بعد الحربين العالميتين الأخيرتين ، أثر كبير في نمو مظهر الجماعية و تقوية ، هذا الذي سبق ونوهنا بأنه أخذ يتحقق بسيطرة الجماعة المتزايدة ، عن طريق الدولة ومؤسساتها، على جميع مرافق الحياة الخاصة و العامة ، وتعاظم سلطان الدولة ونفوذ هذه المؤسسات ، حتى ليخيل لنا أن الجماعة أصبحت إدارة كبرى كثيرة التشعبات ، متنوعة الاختصاص ، تتكامل بتعاونها على مقدار ما يضؤل فيها مدى حرية الفرد وبحق دعا سيغفريد هذه المرحلة الجديدة بالعصر الإداري ، لتغلب فكرة التنظيم والإدارة عليه . ومهما يكن فنحن أمام عهد جديد و عصر جديد ، لا تقل ولادته أهمية عن أهمية  انبثاق عصر البرونز ." (ميثاق الحزب التقدمي الاشتراكي ص 28 29 ).

     ويتعاظم دور المثقفين ، بوتيرة متزايدة ، في المجتمعات الحديثة التي تشملها العناية الصحية أو ينتشر فيها استخدام الأدوية العصرية ، لارتفاع نسبة عدد الشباب الذين أضحت الوسائل الطبية تحفظهم من الموت في سن الطفولة . وكانت الأمراض و الأوبئة في السابق تفتك بشكل ذريع في حديثي السن ، وتحول بين  معظمهم  وبين وصولهم  إلى  اليفاع و الرجولة ، فما عادت تلعب شريعة الانتقاء و الارتقاء دورها في هذا المضمار في تقنية وبقاء الاصلح للحياة و الأفضل . 

     ثم ان الأنظمة الديمقراطية ، بتقريرها مبدأ الاختيار السياسي على أساس الاقتراع بالأكثرية ، قد أشركت فئات كبيرة من الشباب المثقفين في مجال العمل السياسي و الاجتماعي،بشكل مباشر أو غير مباشر .وكذلك بالغت الدول الاشتراكية ،والجماعية الكلية و الفاشية على اختلافها ، في العناية بالشباب و بالمثقفين ، ربما أكثر بكثير مما يحصل في كل الأنظمة الديمقراطية ، لحاجتها إليهم في عملية تطوير المجتمع و الدولة وفي مباشرة عملية الإنماء الشامل ، وفي تكوين حلقة الإرشاد و التوجيه بين الجماهير و الفئات الكادحة من جهة وبين القيادة الحزبية و النظامية الدولية من جهة أخرى ، ولسهولة ويسر

تطبع فئات الشباب و المثقفين بالأفكار و المناهج الجديدة ، وللاعتقاد بتوفر إمكانية قولبتهم بالعقلية والدهنية الجديدة ،ولأن سن الشباب و الثقافة هو منطلق الحماسة و النشاط و التضحيات ومرتقى سلم البطولات و أعمال الاستقطاب و الإبداع .وليس من المستغرب أن يكون سن الشباب في انطلاق أوجه ، أي بين العشرين و الثلاثين ،هو زمن تفتح الذهن عند العلماء على شتى ألوان الإبداع و النظريات المستحدثة والمخترعات ، التي قلبت وجه العلم وأسهمت في تطويره العمودي السريع .

       ويتوجب علينا أن نوضح في هذا الباب ، استطرادا وعلاقة ضرورية غير منفصلة عن جوهر الموضوع ، أن للقوى الحية المتشخصة بالطاقة الجنسية أثرها البالغ في تقوية عقل الإنسان أو إضعافه ، في ترفيعه إلى مستوى الإبداع و التمرد الخلاق ، أو انحطاطه إلى التقليد الواهن و التوهان في أقنية السفاسف و العادات المبتذلة ،في تفتحه الكامل أو انغلاقه 

في شحذ الخلق و الإرادة ،أو إنهاكها و تعقيمها و انقاص فعاليتها في العمل و الصيرورة. ومن لم يكن له من نفسه وازع ، فكيف يستطيع أن يهيمن على نظام عقله  و تحرك  ذهنه ، واعتمالات شعوره بالمعاني الكبيرة و مجالي الإبداع ، وكيف يستطيع أن ينتظم في الجماعة و يسجمهم في عقد نظامه ويعتلي الى مقاليد قيادة هذه الجماعة ؟

      وكما أن الطاقة المادية لا يمكن أن تنفصل عن طاقة الحياة ،اذ هي ينبوعها وجذرها ، ومدها و امتدادها ، في مدى اعتلائها في سلم الكائنات الحية و السلالات المتطورة والحياة وفق تعبير بعض العلماء انما هي طاقة مترفعة للمادة في تكثفها وتعقد ذراتها وخلاياها كذلك لا يمكن الفصل بين الحياة النفسية وبين تيار الحياة الزاخر فينا بالإمكانيات منذ فجرالوجود الأول . وانما الحياة النفسية هي لون وشكل رفيع وتعبير مستعل للحياة ذاتها ، وهي انعكاسها على ذاتها . وليس من المستغرب أن تكون قد وردت في الإنجيل الشريف الكلمة التالية : " طوبى للذين قلوبهم طاهرة ،لأنهم يشاهدون الله "، أي يصلون إلى معرفة الحقيقة الأخيرة للوجود .

      وقد أشار شري رماكريشنا إلى هذا الفعل و التحول العجيب الذي يطرأ على الإنسان ، الذي يظل اثنتي عشرة سنة متوالية محافظا على طهر جسده ونقاوة أفكاره وصفاء شعوره من أدران الشهوة ، بأنه ينمو فيه عرق عصبي خاص ،فيتمكن من معرفة خفايا الأمور ماضيا وحاضرا و مستقبلا ،و تنيخ لسلطته بعض كرامات  الأولياء . أو كما تقول الرجا يوغا الهندية : " بقدرة الطهارة تأتي المعرفة كلها " .كما أنه بقدرة الصدق مثلا ، وممارسة فضيلته في الفكر وفي الشعور و في الكلام وفي العمل ، يحصل الإنسان على قوى عجائبية في الإقناع ومحض اليقين والإبداع والتمثيل و التشخيص و الخلق  حتى كأن الإنسان ، لفرط صدقه و أصالته في جذور نفسه وعين عقله ، يستطيع أن يجعل الأشياء تحدث و الأفكار تتجسد .وكذلك بالنسبة للأذى ، فمن لا يؤذي فلا يؤذى في الفعل ورد الفعل السببي المعروف في العلوم المادية .action et  réaction وهذه النظرة الشاملة الوحدوية الكاملة للتطور و للإنسان أوضحها الحزب التقدمي الاشتراكي في ميثاقه : " بأننا أداة مكلفة في الواقع بتحويل التيار الحي ، الزاخر بالإمكانيات منذ فجر الحياة ، إلى فكر وشعور و إشراق وقيم حق و محبة وجمال ،  و يتضح ( آنذاك ) لنا أيضا أية قيمة هي الشخصية البشرية و أية قيمة هي حياة كل كائن بشري ورسالته ، وذلك بالاستقلال التام عن أي مبدا ميتافيزيقي و لاهوتي كان ، لو استطعنا أن نقرر ذلك دون أن نستنير بالاختبارات الروحية الحية ."

     ومن هذه المشارفة و المشافهة ، تبدو ضرورة ارتباط طاقة المثقفين العلمية بالقوى المعنوية و الطاقات النفسية المستعلية ، فتتكامل شخصية الكائن البشري ، فتتجلى في الشباب آنذاك صفات القيادة التي تؤهلهم لتسلم مسؤولياتهم في مختلف مستويات الهرم الاجتماعي والإداري و السياسي و الاقتصادي . . وإلا يكون العلم عالة وآفة على صاحبه لا يزيده إلا عماهة واستكبارا ، ومرحا و أنانية وتمييزا  اعتباطيا ، اذ يكون ميزة لا تقابلها أصالة أو طبع و تطبع عميق حقيقي في النفس ، كمن يطلي القدر ، ويضعها على نار الحياة ، لتنضج بها أفضل ثمار العقل و القلب و العمل والكفاح،وتكون القدر فارغة. .

    إن الشباب المثقف لا يستطيع أن يلعب دوره في قيادة المجتمع    وهل هناك مسؤولية  أشرف من قيادة الرجال و الإسهام في بناء المجتمع والدولة والوطن ؟إلا إذا ارتفع إلى مستوى القيادة بعلمه ، بعقله ، بشعور قلبه ، بتوق إرادته ،بإصابة تصوره ، بنضج فهمه وجهد حياته ، أي إذا تفتحت فيه من جديد فضائل الفروسية وصفاتها النامية وطاقتها القادرة .

هذا الشباب الذي يضيع اليوم في الميوعة الجسدية والشخصية وفي الانحلال الخلقي ، وفي التقليد الأعمى لمتاهات الحضارة الغربية القادمة إلينا ، نتلقفها كمن يريد أن يشغل فكره عن التفكير و التأمل بمصير حياته وتعاسة قلبه وتشتت فكره ، أو في هذا التخنفس ، والتأنث ، واستشراه صور الدعايات و الملاهي و الإذاعة و الشاشة و التلفزيون و سواها من ألاعيب و ألعاب المدينة المادية السحرية ، ثم في هذه الانتهازية للجاه و للزواج وللمال ، وهذه السلبية المنتظرة المتخاذلة ، كمن ينتظر طعامه ليسقط إليه من  السماء ،وهذا الاكتفاء بالعلم السطحي وبالثقافة التي يقصد منها  الحصول على اللقب و الشهادة في جميع مراتب التعلم ، ولا يستهدف الطالب ، من تحصيلها ، تعدي مضامينها إلى الاستقصاء و البحث و التعمق ، واستجلاء السؤالات الكبرى عن النفس وعن الكينونة و الوعي والوجود ، التي تجيش في صدره ، وترتطم على صخورها أمواج أفكاره ، ويتشوق إلى الجواب عليها قلقة وحيرته وشكه ، أو تجذبه إليها استطلاعات حقيقته الباطنة الكامنة في أصل روحه . وقد أضحى العلم اليوم ، بنظرياته المتعمقة المستقطبة الأخيرة ، فلسفة واقعية تجريدية ، هي من أروع التجليات في الذهن :فقد تبخرت الذرات في مجهر الفيزيائيين الكيمائيين وأرباب الحساب ، حتى أضحى لا فارق ولا مفارقة بين هذه المادة الكثيفة وبين مفهوم الروح ،أو كأننا ، في مواجهاتنا المشرفة المتقدمة على شهود العلم الجزئي الصغير الذي يتكون من عوالمه اللامعدودة العالم الكبير ، على حد تعبير ادنغتون ، نرقب " عالما من الظلال أو الأشباح  a shadow world  ، في جلسة سحرية تقام لاستحضار نفوس الغائبين و الموتى " ، حيث لم يعد للزمان وللمكان سوى مفهوم نسبي ، ولم يعد للحتمية هذه السيطرة المعهودة نسبيا في أغراض الحواس ، وحيث نشهد الحرية تنبع من أعماق تشخص الطاقة في المادة و في علائق الجزئيات بعضها ببعض ، وحيث الخلق مستمر دائب لا يتوقف في تحول الشعاع و الطاقة الى مادة وفي تحول المادة الى طاقة ،كأننا أمام ساحر عجيب يلعب بأسماعنا و أبصارنا ومدركات أفهامنا .وكذلك في عالم الكواكب و النجوم و المجرات حيث ،على حد الآية القرآنية الجميلة :" وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب "، وتشهد "الشمس تجري لمستقر لها "، منجذبة بحركة الكون المنفلتة الهائلة في جميع الاتجاهات وبسرعة عجيبة كأجزاء القنبلة المنطلقة ، أو كحركة تنفس صدر الإله برهما العظيم ؛ وفي كل يوم أو كل ساعة يولد كوكب أو يتوارى  نجم في مدى اللانهاية المنحني المحدود  un univers limité mais infini – la courbature de ľunivers.                   

       وعلى ضوء هذا العلم المتقدم ، وفي تطلعاته و تأملاته ونظرياته ، مصادر جلى للروعة و التسبيح ، وكأننا ننظر في أعماق ذاتنا إلى العين الجوهرية التي منها ننبع واليها نعود ؛ وتتثبت للشباب المثقف الاتجاهات الكبرى لتطور الاعتقاد العام و أصول العمل البشري و الدين ذاته في الحقب المقبلة علينا في القريب العاجل .وربما يصح لنا الإيمان بغير مقاييس الدين العادية ، وبالعودة الى جوهره والى عرفانه ومذاهب حكمة محققيه ومتصوفيه وأوليائه . وهل نستطيع في النهاية أن  نعتمد على الحرف الأعمى والآية الجامدة و النهي الصم المجرد عن أسبابه وعلته وأهدافه واعتمالاته ، دون الرجوع إلى الاختبارات الروحية الكبرى التي تشخصت في حياة كبار الأنبياء و المتحققين و الحكماء و الأولياء و المتصوفين في كل دين ، لنغرف منها ونستوحي حقيقة التدين و الدين ، فتصبح الآية نموذجا حيا بمثالاتها بيننا . وتتوضح إذ ذاك رموز وأسرار وعلل هذه المفاهيم الدينية و الروحية ، تماما كما أن الاختبار هو محك المعادلات والعلاقات و الاعتمادات في حقل العلوم المادية .

     وهكذا وامتدادا لهذه المشارفة  وتطلبا لها ، واستقطابا لأكناهها ، تبرز أهمية دور الشباب المثقف في المجتمع القائم وفي الحضارة وفي مستقبل الإنسان ، كفروسية حقيقية بالنسبة للعصور الحديثة .

    وكيف ينتظم المجتمع أو تستقيم أموره أو كيف تصلح شؤون الوطن و تنمو في الاتجاه السليم ، وكيف تتصوب مفاهيم الحضارة و منجزاتها وخطة سيرها وتطورها ، إذا لم تتوفر  النخبة القائدة الموجهة لأجل ذلك ؟

     وأذنوا لي هنا أن لا أتكلم عن لبنان بشكل خاص وعن الواقع العربي ، بل عن العالم بأسره ، الذي لم تعد مشاكله ومعضلاته تتوزع و تختلف بين شعب و شعب آخر ؛ ويمكننا لأول مرة ربما في التاريخ أن نواجه هذه المشكلات و المعضلات من حيث نحن ، من أي بلاد ، أي من بلادنا ، من لبنان ومن  16X  أية زاوية من العالم الفسيح .

      ان النخبة القائدة قد لا تكون هي التي تخلق الحضارة والتاريخ ، الا فيما تستوضحه تبدعه من مفاهيم وأفكار جديدة و تقدمية وقيم حياة وموت ، لان الحضارة و التاريخ- على غلبة توجهها بتخطيط القائد وبأهدافه ونهجه حتى كأن التاريخ يطبع بطابع الأشخاص لا طابع الجماعات هما ،أي الحضارة و التاريخ ، في النهاية فعل مشترك وعمل جماعي تعاوني ، اشتراكي بكل ما للكلمة من معنى ، في مختلف مراتب ومستويات المهن والحرف و النشاطات المادية والمعنوية للإنسان .على أنكم تتصورون مثلي ماذا كان يفيد هذا الفعل المشترك ، وهذا العمل الجماعي في شتى ألوان نشاطه المادي والمعنوي ، لولا وجود أو بروز صانع ماهر مبدع في هذا المستوى و عامل كفؤ نشيط في ذاك ، أو رب  عمل مقتدر في ذلك المصنع أو المتجر أو المحترف أو المصرف ، أو مهندس مبتكر منظم جدي في المختبر و المعمل، أو رجل إدارة عالي الهمة في هذا الحقل أو ذاك ، وسياسي متفهم وقائد جريء وحيكم ، ورب عائلة حسن التدبير ، وشيخ أو كاهن فاصل ، وصاحب مدرسة متقن للتربية و التعليم ، وهكذا إلى ما لا نهاية في هرم تكوين المجتمع وفي شتى مضامين قيادته وتوجيهه .وكيف يستقيم الصنع بدون الصانع ، أو يتصور الخلق والنهج الحسن بدون توفر كفاءة الخالق والناهج والمصور: وانما بداية العمل البشري ومباشرته تبدأ في العقل أولا ،لا في الأيدي التي يتبع عملها مبادرة العقل وتخطيطه .  وكثيرا ما نتحدث عن الجماهير وقوتها وقدرتها ،ولكن الجماهير لا تستطيع شيئا إن تتوفر لها في جميع المستويات النخبة القائدة التي تضمها في إطارات التنظيم والإرشاد والأمر والتوجيه .

    وهكذا بالنسبة للأحزاب السياسية ، فكيف تستطيع هذه الأحزاب أن تجمع الشعب في خلاياها وإطارات نظامها وحلقات تكوينها ، إن لم تتوفر لهذه الأحزاب القيادات الرئيسية والثانوية و الفرعية لأجل تمكينها من بلوغ غايتها في تجمع العدد الضروري من الشعب ، لتمكين هذه الأحزاب من التحرك نحو أهدافها ؟ 

     في السابق وفي الماضي ، وفي مرحلة القرون الوسطى بشكل خاص ، بعد أزمة انحلال الأمبراطوريات الكبرى و انفراط عقدها ، أخذت تتكون قيادات شعبية بدهية من وسط    الجماهير ، تبرز في مجال الجهاد الشخصي أو العائلي أو القبلي ،أو نتيجة لتسلم مسؤولية مدنية أو عسكرية ، وفي هذا البروز شيء كثير من طباع الشجاعة والفروسية معظم الأحيان ،فيتجمع الناس حول هذه المبادرات المنطلقة الحية ، لحماية أنفسهم و أموالهم وممتلكاتهم ،ولصيانة أمنهم و علاقات بعضهم ببعض ، من الفوضى ونتائج هذا الانحلال و التبعثر.

     ويمضي عهد تبزغ فيه هذه القيادات وتنمو من أصول عميقة في النفس ، من مبادئ الشرف والشجاعة والمسؤولية والحنكة والحكمة والتدبر والنظام والشهامة والمروءة .وكان واحدهم لا ينفصل عن جماعته ، فهو الأول بين الأقرانPrimum inter pares  يتقدمهم في ساحات التضحية والنضال ،ولا ينسى أنه من صلب هذا الشعب الصغير انتشاْ وارتفع ،تربطه بهم علاقات الواجب والمسؤولية ، فيربي أولاده بين جمهور الكادحين لكيلا ينسى علائقه المعنوية والرحمية والقيادية ، ولا تجنح به انسفالات الغرور والكبرياء والجاه والعتو .هي أرستقراطية السيف والشرف ، النابغة من صميم جهاد الإنسان لأجل إخوانه ومواطنيه ، يمحضهم ولاءه ويفعمونه ولاءهم ، فهم وهو مجتمع صغير عضوي كامل نسبيا في تركيبه .والنسبية دائما هي القياس الملازم للمكان والزمان ، وتفاعلهما بما يكون عليه الإنسان من مظاهر لطاقة الحياة فيه .

     ونشهد ، في مختلف المستويات ، تنظيما حيا رائعا يتمثل في المهن والحرف بالتفاف الرفاق المريدين الطلاب Compagnons-Aprentis  حول المعلم Maître  أو وكيله ، ويشيع لون العدالة في تقييم الأسعار و الأجور و تجميدها ،وتوضع أصول ومباريات لاجتياز مختلف مراحل المهنة ، وللحفاظ على أسرارها وتقوية الضمير المهني  وصيانته ، إلى ما هنالك من توضيح لمختلف علاقات المجتمع بعضها ببعض .وتبدو هذه الوحدة المهنية أو الحرفية آية في التنسيق و التعاون العمالي ، كأنها مقدمة و مثال للتعاونيات الاشتراكية العمالية كما نتصورها ،وكما ستؤول إليها الاختبارات الحية في البلدان الماركسية ذاتها.

    كما أنه نمت ، في تلك الحقب ، البلديات التي ما زلنا لا نستوعب أهميتها في مجال الحكم الشعبي و التنظيم المباشر .ولم تكن الأبنية البلدية والجامعات العلمية و الكاتدرائيات ،و روائع النحت و التصوير ، ونتاج الحرف ، والحياة الرهبانية الصحيحة ، إلا من عناوين تلك الحقبة من التاريخ .

     على أن الأشياء لا تلبث أن تتبدل ، وسنن التغيير والفساد لا تفتأ أن تفعل في أجهزة هذا التكوين الاجتماعي القروسطي ، مبتدئة بنواحيه الضعيفة ، وخاصة في إطار القيادة والتوجيه حيث تتغلب تدريجيا الحظوة والمحاباة والتحيز والتساهل والتخاذل في أداء الواجب وفي صيانة الشرائع والسنن .ومصدر هذا الوهن والزلل أنانية الإنسان ذاته ، وقد تبرز وتظهر في مراحل السلم والاستقرار أكثر منها في مراحل الجهاد والتنظيم و الاستعلاء فوق صغائر الأمور .وإذ ذاك يفسد النظام ، ويتوقف عن التطور . وتجمد فيه روح الحياة بسبب فساد القيادة التي توجهه و تحميه . وقد يظهر في الوضع الاقتصادي و الاجتماعي أحداث تطرأ فتبد له ، كما حصل في أوروبا بعد اكتشاف العالم الجديد ، وتدفق أنهار المعادن الكريمة على شعوب أوروبا مما أدى إلى ارتفاع أسعار المعيشة و المنتجات ، وفاض بالخير العميم و الثروات الطائلة على التجار و سماسرة البيع والشراء ، فتقوضت أركان العصر القديم بسرعة مذهلة .

     وفي العصر الذي نعيشه والمرحلة التي نجتازها ، وخاصة في أوروبا ، تبلبلت هذه القيادة الاجتماعية وتنوعت مصادرها :ففرع منها كان لا يزال يفيد من طاقة الاستمرار القديم في أيام النظام القروسطي ثم في نظام الملكية ، وفرع برز بواسطة قدرة المال وجاهه على أنه امتياز لقوم في غلوائهم يعمهون ؛ ثم كان للغوغائية الشعبية دورها بواسطة الانتخابات النيابية ، حيث يتوفر الانتخاب ولكن لا يتحقق معظم الأحيان الانتقاء و الاختيار ،في تعلية أناس إلى مراكز القيادة السياسية الخ . على أنه أخذت تتبلور وتظهر في هذه المرحلة القيادات الفكرية و الثقافية و العمالية ولا ننسى أننا عشنا في عصر لينين وهتلر ستالين وموسوليني والمهاتما غاندي وماوتسي تونغ وفرنكلين روزفلت وتيتو وأتاتورك وبيرون وسالازار ، كما نعيش اليوم عهد الاشتراكية الناصرية  .. 

      بيد أن بروز المثقفين في حقل مختلف القيادات الاجتماعية لا يزال ضعيفا .ويعود ذلك من جهة إلى التربية العامة التي لم توفر للطالب مكنات التفتح والتنمية الكاملة لمقدورات شخصيته ، ولم تعن به معظم الأحيان إلا من زاوية شحن ذهنه بالمعلومات وتكديسها في ذاكرته ، لا تنظيم عقله وصقل مشاعره وشحذ إرادته ، وانبات أصول وبذور شخصيته ،بحيث يستوحي في الحياة بداهة و عفوية مبادئ ونهجا وشعورا اجتماعيا مسؤولا ، ونزعة طبيعية للطاعة و التوجيه و التوجه و القيادة .

     ومن جهة أخرى ، لم يكن لدى المثقفين رغبة صادقة في تكوين أنفسهم كما يتوجب ، في مباشرة تربيتهم بأنفسهم في سياق معنى القيادة وشرفها وشرف الخدمة العامة ، بل كان معظم همهم التعلم لأجل بلوغ وظيفة أو تحصيل أو التميز بجاه ، على نمط التفكير التجاري البرجوازي تماما . . وهكذا تحول أكثر المثقفين إلى طبقة أرستوقراطية برجوازية جديدة ، لارتباط مفهوم الثقافة عندهم بالأنانية و المصلحة الفردية ، وانفصلوا بشعورهم وبتفكيرهم وتوجههم عن الشعب و عن مصالحة الأساسية ، وأخذوا يقلدون أرباب المال والجاه في عاداتهم وسبل عيشهم وتصرفاتهم وإقبالهم على التلهي وضياع الوقت سدى ، وهؤلاء بدورهم  يقلدون كالقردة من تجلت به من الغربيين مفاسد الغرب وعاداته السمجة دون جدواه وفعاليته محاسن المبادرة فيه والعمل .

     وقليل من المثقفين ، في بلادنا ، من يستطيع أن يكون مختارا في قريته أو حيه أو عضوا في بلدية بلدته ، نتيجة هذا التأفف و الانفصال والابتعاد.

     وفوق ذلك ، نرى أن معظم المثقفين قد تخلوا في نهجهم الذي يسمونه " تحررا " عن اخلاق وآداب وتقاليد ذويهم السليمة المستمدة من حضارة شرقية عربية هي أعمق أصالة من هذا النفخ و الدفق الأوروبي السطحي المريب ، كما أنهم حاولوا التخلص من هذه الروح الاجتماعية التي تربطهم بالعائلة الصغيرة والكبيرة والبلدة ، و تمحض علائقهم بعضهم ببعض بطابع الشخصية الفردية غير المنفصلة عن الشخصية المجتمعية في جميع المستويات ، وهكذا فقدوا ما هم عليه ،ولم يتعلموا ما هو عليه سواهم . كالغراب ، على حد المثل الدارج ، الذي قلد مشية الحجل ، فلم يتعلم مشيته ونسي في الحين ذاته مشية الغراب .

       وسنلمس خطر فقدان أو ضعف هذه الحلقة القيادية في المجتمع يوم يسيطر التكنوقراطيون على مقاليد الاقتصاد والسياسة ، فيبتعدون بالقيادة عن المفاهيم الإنسانية التي نتصورها مثالا لما نبتغيه و نرتضيه ؛ وإذ ذاك تبرز حاجتنا للنخبة الحقيقية لتنقذ أوضاع المجتمع المتطور من الآلية التكنوقراطية المتعامية ، في تخصصها وفي مغالاتها في هذا التخصص ، عن النظرة الصحيحة الشاملة للإنسان .

      إن ما أوضحناه من ظروف الحياة الاجتماعية و عللها وعلاتها في هذا المنعطف المنتقل من التاريخ ، هو ناجم ، في الواقع و بالحقيقة ، عن فكرة خاطئة للمساواة بين أفراد المجتمع.لقد أطلقت الثورة الفرنسية شعار المساواة ، في ردتها على أنظمة القرون الوسطى الجماعية ، فأفسدت به مفاهيم الديموقراطية في الغرب و طرق مزاولتها وممارستها ، وفشلت الأنظمة البرلمانية في عدد من البلدان نتيجة هذا المفهوم الفردي المطلق للمساواة ،لم نعرف بعد أن نتحرر من الخطا الأصلي في تقييمنا للأمور وفي مواجهتنا لمجتمعنا . ولم يتوفر بعد ،للأنظمة الماركسية القائمة ، أو النازية الفاشية المنقرضة ، أن تصحح هذا المدلول ، بما أشاعته من مواصفة اجتماعية للمواطن ومساواة عضوية لا حسابية .

      وفي الواقع وبالحقيقة ، إن النظريات النازية و الفاشية ،بالرغم مما حملته من تطرف غير إنساني ومن عماهة في التصور و التطبيق ، ومن انحراف في تأليه القومية و العنصرية ،كانت تتضمن بذور أفكار صحيحة ، وستبرز صحتها أكثر فأكثر في المستقبل القريب و البعيد . فالناس ليسوا متساوين : إنما يجيئون إلى هذه الحياة بطاقات وراثية جسدية وعقلية ونفسية مختلفة . فقاعدة "مندل" للوراثة تلعب دورها الكبير في تكوين الكائن البشرى الحي الذي نحن إياه .ومن يخالف قاعدة الطبيعة وشرعتها ، لا بد أن تقتص منه الطبيعة عاجلا أم آجلا . فكما أنه لا يمكننا أن نصنع من أي شخص كان طبيبا أو مهندسا أو فيزيائيا أو فيلسوفا أو راهبا و شيخا ،كذلك لا نرى إنسانا واحدا مماثلا أو مطابقا لإنسان آخر . إنما سنن الطبيعة هي في خلق تنوع من الكائنات البشرية ضمن الوحدة التي تضمهم والتي هي جوهر الإنسانية وماهية السلالة .

    طبعا يجب أن تقوم هنالك "مساواة جوهرية في الحقوق والواجبات " ، كما ينص على ذلك ميثاق الحزب التقدمي الاشتراكي ، وفيما يتعلق بمظاهر هذه الإنسانية وتحققها فينا. ولكن هذا المفهوم للمساواة الجوهرية الأساسية يبطنه ويلازمه مفهوم آخر إيجابي للمساواة العضوية الحقيقية القائمة بين الناس يفرض :

-       " العدالة المستوحاة من الإخاء و التعاون و التضامن ". لا العدالة في المعنى المعمول به حاليا . .

-       " احترام  جميع  حريات  الفرد  المحدودة  بحريات الآخرين و بمقتضيات الخير العام ".

-       " المساواة السياسية بين المواطنين ، على أن تؤخذ بعين الاعتبار قيمتهم و إمكانية انتفاع المجتمع بهم .

-       "وضعا معتدلا متوازنا ، آخذا  بالتنوع  في  الوحدة و بالفردية النازعة إلى تحقيق الشخصية .

-       " تضامنا أخويا يكون نتيجة للتخصص الوظيفي و لرتبيـة مرتكزة على تفاوت المواهب بين المواطنين .

-                     "ضرورة الشخصية القائدة الخلاقة ".

      وتبرز هذه المفاهيم جميعها خاصة في " تنظيم الجماعة بقدر المستطاع وفاقا لهيكلها الطبيعي , أي باحترام التكتلات العفوية للناس حول مصلحتهم أو نشاطهم بغية نظمهم في الدولة ،فلا تكون الدولة سوى تمثيل للجماعة بواسطة المؤسسات الكافلة تحقيق غاياتها الاجتماعية ، وتكون الحكومة تاج البناء الذي انبثق عن الجماعة المنظمة هذا التنظيم ".

     ما أبعدنا في هذا عن الديموقراطية البرلمانية في مفهومها العادي الشائع الساذج المؤسس على فكرة الفرد ، لا فكرة المواطن أو الإنسان الاجتماعي . فالجماعة هي التي يجب أن تمثل لا الأفراد ، دون أن نجنح إلى النظريات الكلية التي سادت فترة و احتجبت . 

    وفي هذا المجال من الاسترسال ، تبدو الأحزاب السياسية كما يجب أن تكون عليه ، لا كما يقصد فيها في الأنظمة الديموقراطية و البرلمانية من تجمع حول شخص أو مبدأ ، بل أجهزة ضرورية لتنقية المواطن واختيار أفضلهم في سلم رتبيه ونضال هذه الأحزاب ، في عمل للتنقية و الاختيار والاختبار تبرز من خلاله القيادة و النخبة : " إن الأحزاب أجزاء و أعضاء ضرورية في تطور حياة الشعوب ، ولكن عليها أن تتنزه أي أن تتصوف ، بحيث تنصهر فيها الأفراد و الجماعات على أساس فكرة اعتيادية واعية مجردة  .  .  فالأحزاب من هذه الناحية ، ينبغي أن تكون أشبه شيء بالهيئات و المؤسسات و الجماعات العلمية أو الروحية الكبرى . . ومن فكرة هذه المؤسسات ونزعتها في التزكية لعمل ما ، أنها تستبعد كل غاية من ورائه ، سوى التضحية و النفع العام وخير المجتمع و البشرية عامة.."

       لقد ارتدت التجربات الماركسية و الاشتراكية الكبرى طابعا من الجدة و الاستثارة  لأنها أسهمت في تجديد القيادة الشعبية و السياسية ،  بشكل فيه لون من الابتكار ،  وكان لنضالية الحزب الواحد سهم في ذلك .كما أننا نعتقد أنه لا يستبعد أن يكون سبب التفوق و الازدهار الأميركي هو في تمكين المجتمع من تبديل قيادته بصورة ذاتية دائبة ، وفي

مبدأ المسؤولية الواسعة التي أضحى من التقليد أن يتمتع بها كل رب مؤسسة أو صاحب عمل أو رئيس جماعة تماما كما يتمتع رئيس الولايات المتحدة بسلطة تنفيذية هائلة .ولا شك أنه كان لصوفية العمل في المجتمعات الاشتراكية أثر كبير في تكوين القيادات وابرازها. فالعمل المادي هو أفضل محك لطاقات الإنسان ، وأفضل حقل لإظهار مكناته وصقلها وترويضها . كان المهاتما غاندي يقول ما معناه على ما أذكر: إنني تعلمت كثيرا لأنني أكنس غرفتي .

 مشكلة الديموقراطية في لبنان هي مشكلة انعدام القيادة تقريبا في جميع المستويات ..            مشكلة الديمقراطية تكمن  في  ضعف  إسهام  المثقفين إسهاما إيجابيا وجوديا ، لا إسهاما انتهازيا أو إلهائيا ، في تكوين إطارات الأحزاب السياسية ، وطبعا الاشتراكية منها،لتتم حلقة الاتصال في جميع مناطق لبنان مع جماهير الشعب الكادحة و المناضلة ، ولكي يمكن هذا الانسجام في الإطارات من تجديد القيادة الشعبية . كما يولى عليكم تكونون.                  

     كثيرا ما نصغي إلى الانتقادات ترسل جزافا للسياسة ،للإدارة اللبنانية ، للمجتمع ، أو لا نسمع شيئا من ذلك ، لأن بعض رواد الملاهي وعشاق الرقص و الموسيقى العبدية الأفريقية أو متفرنجي الصالونات يعيشون في بلد غير البلد اللبناني ، لا تربطهم بهذا الوطن علاقة لا لبنانية ولا عربية ولا شرقية ولا قومية ولا اجتماعية وحتى  ولا إنسانية ، وقد قلدوا الكوسموبوليتية في اسخف ما تكون عليه .

     إننا نحن وسط المعركة ، ولنا شرف ذلك ، لسنا مستعدين أن نسمع انتقاد أحد لا يقوم بادئ ذي بدء بواجبه الاجتماعي والسياسي الكامل .

      إننا نخطئ ولا شك أحيانا فيما نعمل ، ولكن  من  لا يعمل لا يخطئ  وما هي قيمة الإنسانية فينا و الرجولية النابعة من صميمها إن لم نتجرأ على فعل الصواب وعلى الاعتراف بالخطئ بتواضع طبيعي دائما وأبدا ؟

     يرتفع اليوم نداء الفروسية فينا ، فروسية العصر الجديد ،التي بها وحدها يتجدد شباب هذا العالم الهرم . لأن مشكلة الأنظمة ليست بشيء أمام مشكلة النفوس . هو نداء الحياة ذاتها التي تنزع بطبيعتها إلى اختيار الأفضل و انتقاء الأصوب ،والى ارتفاع النخبة دائما وأبدا ، إذا تركنا الحياة تقوم بعملها الصامت ، أو إذا مكناها من ذلك ولم نعتمد آراء في الديموقراطية وفي الثقافة وفي الإنسان هي أبعد ما تكون عن الديموقراطية  الحقيقية وعن الحضارة الأصلية وعن الإنسان .

     نداء الفروسية ، هل سنسمعه بآذاننا وقلوبنا ، قبل أن يفوت  الأوان وينقضي جيلنا ، وتواجهنا الأحداث بالمحن والكوارث التي نكون نحن قد صنعناها بأيدينا ؟ ويجب أن لا يفوتنا أننا نحصد ما نزرع ، في شرعة للسببية النفسية و الواقعية ،هي ذاتها امتداد للسببية الشاملة التي تتحكم بجميع العلاقات القائمة بين الأغراض الحسية .

     إن شعب لبنان ينتظر أن لا يظل معظم المثقفين منزوين في أبراج تفكيرهم الفردي ، وعزلتهم المعنوية و الواقعية عن مجتمعهم ، بسبب عيشهم في حلقات اجتماعية صغيرة مستوردة من خارج بلادهم ، كأنهم في واد والشعب في واد آخر .لتكن سنة 1966 نقطة تحول في إقدامهم على المركب الصعب والمغامرة الإنسانية الاجتماعية .وهل يصح أن نفكر بأنانا الصغيرة المحدودة  وبمصيرها  المغلق ، ولا نفكر بخلاص وبمصير الآخرين ؟ 

                                                                                                          ألقيت في النادي العربي 

 

 

Home

Up one Level