وجهة التطور

 

في كلمة السنة الجديدة أوضحنا ضرورة ايماننا بالحياة ,"وأن الايمان بالحياة هو الايمان بالتطور: فلولا التطور لما كانت الحياة ..... التطور على اطلاقه: تطور الكون والجماد والمادة الحية والانسان والجماعة بجميع عناصرها الروحية والمادية".. "وان كلمة الساعة هي في لبنان (وفي البلدان العربية) وفي كل بلد من بلاد العالم : علينا أن نكون في مقدمة التطور فنصيره ويصير منا "...

ولا يمكن في الواقع فصل التطور عن جذوره العميقة ومن أهدافه الكونية البعيدة والشاملة من حيث انه مظهر ووسيلةلانشاء وبقاء وصيرورة الكون باسره – وعلى الاقل عالم الكائنات الحية ..

يقول برغسون : الخلق يحتم ظهور الحياة ... اي ان فكرة الخلق ونزعته تفرض وتحتم مولد ونشوء الحياة …La vie est une exigence de la création »وحتى اذا ما تجردنا عن كل فكرة ميتافيزيقية للخلق ولما وراء الطبيعة وتمسكنا بالتحديد الوضعي والعلمي لتطور الكائنات الحية وجدنا : " انه يجب ان نعتبر التطور كحدث شامل تقدمي وغير قابل للارتداد الى ما قبل , ينجم عن عمل مشترك ( وتفاءل) تقوم به اجهزة بدائية كالتكيف (لمارك) وسنة الترقي و التنقية الطبيعية (داروين) والتحولات الفجائية (نودان ودو فري ).." وان "التطور يبدأ بالمادة الحية اللاشلكية او بكائنات شبيهة بالكونوسيت ينقصها التكوين الخلوي , وينتهي (التطور ) الى الانسان المفكر و الواعي " ( Le Comte de Noüy).

ويظهر لنا كأن الحياة تنزع عن قصد او عن غير قصد – في احدى اتجاهات تطورها الكبرى- الى الزيادة المضطردة في مقدار وهي الكائن الحي وحدة هذا الوعي والى الزيادة في حريته في التصرف وفي التخلص من قيود سنن المادة, كاما ارتقى في سلم الاجناس و الفصائل والفروع التي تتطور باتجاه الدوحة الحيوانية التي يتوجها ويختمها الانسان .. 

ويظهر لنا انه، بنتيجة هذا الوعي وهذه الحرية في الانسان ، كأن التطور قد عدل عن نزعته البيولوجية الظاهرة وعلى الاقل باتجاه الدوحة التي ختمها الكائن البشري منذ بضع مئات الالوف من السنين – والرامية الى التحقيق و الامتداد والتنوع بأجناس وفروع وفضائل جديدة. و ان تطور الحياة هذا قد تحول بفضل هذا الوعي وهذه الحرية الى تطور اجتماعي واخلاقي ونفساني ، هدفه نشوء وبنيان واستنباط القيم والانظمة الاجتماعية والاخلاقية والروحية – وهذا هو الفاصل الوضعي بين عالم النبات والحيوان وبين العالم البشري ...

اذا ما دركنا هذا تمام الادراك واكتنهنا غرض الحياة والتطور ووجهتها منا وفينا واننا في الواقع أداة مكلفة بتحويل التيار الحي ، الزاخر بالامكانيات منذ فجر الحياة ،الى فكر وشعور واشراق وقيم حق ومحبة وجمال، توضحت لنا اي قيمة هي الشخصية البشرية واي قيمة هي حياة كل كائن بشري ورسا لنه – وذلك بالاستقلال التام عن اي مبدأ ميتافزيقي ولاهوتي كان ... وانه يتوجب علينا ان نصير هذا الوعي وهذه الحرية وان ننتظم بها وبالتالي بصيرورة التطور والحياة ..

ويبدو لنا   اذ ذاك على حد تعبير البيولوجي جوليان هكسلي " ان الحياة خلقية بأن نحياها"

                                                                                 كمال جنبلاط

 

 

 

Home

Up one Level