جاء النور الى العالم ولكن الظلمات لم تعترف به

  كلمة المعلم المرشد:

لا تستطيعون أبـدا تغيير العالم

    كيف يمكن فصل الوعي _ النور عن نار جهنم الخالدة . فالنار _ أي الطاقة كما يقول هايزنبرغ هي أصل النور. لأنها أصفى شكل للطاقة حسب هرقليطس، فهي تكاد تكون الحالة الرابعة للمادة. رؤية الشمس المنعكسة في آلاف المرايا. الوعي الكلي للنور أو بالحرى النور _ الوعي بالذات. أيمكن الأمل بوسط اجتماعي، أو بمجتمع على صورة هذه البيئة للصوفية الحقة _ وهي تكشف الانسان لذاته تكشفا حقيقيا في العرى الجوهرى لأناه؟

    هل تجيبنا الحكمة _ حكمة مواطني الدروز، كذلك حكمة الهند والصين أو اليابان أو صوفية تحقق الذات؟ نعم الى حد ما، ولكنها لا تجيبنا بشكل واسع . لأن كل امرىء يدرك حسب منظاره وانفتاح مجال رؤيته وحسب كثافة او لطافة عقله (شبه السحرى). ولقد اتسمت بذلك المجتمعات البدائية لدرجة ان المانا _ Manas _، حيث كان كل شيء مختلطا _ المادة والحياة والروح _ كانت تمثل بلا وعي هذه الطاقة الواعية الاخيرة التي ينبجس منها كل شيء مثلما تنبجس الموجة من نبعها . كان ذلك زمن اليقظة الجميل حين كان الانسان يملك بشكل غامض ولكن مؤكد ، الشعور بما هو كوني والشعور بوحدة كل الاشياء.

    ومع صعود العقل ظهرت الاساطير الاولى ثم الاديان الاولى غير المنفصلة بعد عن سلطان السحر _ الحجر الاسود ، أضرحة الاوثان ، مفهوم حمل ابراهيم او مفهوم ابن الانسان المضحى في سبيل خلاص البشر، ظاهرة استحالة القربان ، والصلاة.

    وكيف يمكن للامر ان يكون خلاف ذلك ؟ ان اللاعقلي، لو تأملناه ، مليا ، لوجدناه يختلط بحياتنا كل يوم.

   ليس بمكنة أى تصور ديني أن يبتعد عن بعض التصورات السحرية للاشياء _ الحجر الاسود في الكعبة ، مياه (بئر) زمزم، ماء العماد او المطهر عند المسيحيين ، مفهوم الضحية كبش المحرقة _ ولد ابراهيم حسب الاسلام او يسوع حسب المسيحية ، غفران الذنوب وامكان الخلاص منها ، الاسعاضة بالصلاة أو الامانة والمعجزات الخ ..

    لأن السحر _ أى اللاعقلي _ يختلط على نحو خارق بحياتنا العادية ، وحتى بتصوراتنا المزعومة انها تصورات عقلية ، هذا اذا شئنا أن نتكبد مشعة فتح الاعين لنرى ..

   حتى أن العلم في تصوراته الاخيرة يصب في اللاعقلي أى فيما لا يمكن ادراكه بواسطة العقل العادي ..

    ان كل هذا الخلق ، ذاته ، من أصغر ذرة حتى الجزئيات الغريبة جدا في سلوكها وتذبذبها وتقلبها وحركتها ، الى لعبة العلاقات المدهشة بين خلايا الكبد مثلا، أو عصبونات الدماغ ، وحتى ظواهر الادراكات حيث تظهر الصورة في شكل آخر بحيث  أنها تستطيع فعلا أن تكون بسرعة الضوء ، الصورة الجوهرية للضوء ذاته ، ان كل شيء سحر ، كل شيء ابداع ساحر.

    ان الساحر الارفع يظهر شفافا في كل الاشياء _ شريطة ان لا نتصوره أبدا من زاويته البشرية المحض ( الانسان مركز الكون) .

    وما هو أسوأ هو أن الاديان تولد الحروب والصراعات والابادة ومشاريع الاستغلال ، والحقد والدمار الواسع باسم مثل انسانية مزعومة تتحدر منها هذه الاديان. وهكذا فان ديانات المحبة ذاتها تغدو بعد زمن معين حبا للذات وحقدا على ما عداها.

    وما نحن ، على حد تعبير السهر وردى ، الا انعكاس لعبة المطلق في مرآته .فتعتبر المرآة وجها للمطلق ذاته، وكل شيء عداه يكون مشوها.

    وسيأتي فيما بعد  تحول (تناسخ)، مخلص ، هرمس كبير، ليصحح الصورة، (...) . هوذا مصير كل الصوفيات الاجتماعية وكل الايديولوجيات.

    ومن جهة ثانية ، من يدري اذا كان دور الجمود _ جمود نسبي _ لن يأتي مرة ثانية ؟ هناك مجتمعات أخرى ، غير مجتمعاتنا ، قد عرفت السعادة في تصور جمودى . والمطلوب هو توجيه هذه السعادة نحو "دينامية" الانسان.

    وربما يكون المطلوب ، أخيرا ، توضيح هذه الكمية من الطاقة النفسية _ الاجتماعية _ الاقتصادية والثقافية ،التي تنضاف دائما وأبدا الى جذع الخط التطورى المصنوع في آن واحد من التقليد ومن الاتجاهات الى التغيير .وهذا تقريبا مثل الطاقة الحركية (Enérgie Cinétique) التي يزيد تسارعها من سرعة الشهاب المتفجر.

    ان عجز المذاهب والعقائد والايديولوجيات من كل نوع ولون عن ادراك ذاتها في الوقت الذى تفعل فيه.وكأنها مهيأة نسبيا لمرحلة معينة من التطور وليس لمراحل تتهيأ في المستقبل ، يجعلها تفرق في الظلامية ومن ثم في التزمت وما ينجم عنه من تعصب. وهكذا لكل حقبة عصرها الوسيط وبورجوازيوها وأكليريكيوها، ومدرسوها ومتزمتوها.

   ان اعتبار العقائد والمذاهب والايديولوجيات كأنها مطلقة والتصرف على هذا الاساس ، انما يدلان على موقف عبودية فكرية فكرية من جهة، ويدفعان الى الضلال والتحجر من جهة ثانية .

 

Home

Up one Level